قدم الإنترنت ظواهر وممارسات مستحدثة في المجال الاتصالي والإعلامي تتميز جميعها بسمة رئيسية: التفاعلية. ويتكون الإنترنت من عدد من واجهات العرض أو القوالب التي تتميز عن بعضها البعض من خلال تقسيمها على أساس المنتج والهدف من الإنتاج والمضمون التمويل والقيمة الاقتصادية للمضمون. وتتنوع أشكال واجهات العرض أو القوالب وتطرأ على الساحة أنواع جديدة باستمرار. ولعل أهمها وأكثرها انتشارا: أولا المدونات بأنواعها, ومواقع التدوين المصغر كـ"تويتر" والمنتديات الحوارية ومواقع الدردشة والبريد الالكتروني ومواقع الفيديو كالـ"يوتيوب" ومواقع الصور كـ"فليكر" ومواقع الجماعات المؤلفة كـ"ويكيبيديا" ومواقع الشبكات الاجتماعية كالـ"فيس بوك" ومواقع راديو الإنترنت.
كما لا يمكن إغفال الصيغة الأولية الموجودة على الإنترنت ألا وهي :الموقع والتي استخدمتها على سبيل المثال الشركات والمؤسسات والجمعيات والأحزاب والتيارات ومختلف التجمعات الرسمية والمعارضة للترويج والتعبير عن نفسها. كما أطلقت المؤسسات الإعلامية مواقع إخبارية تعمل ضمن شبكة أوسع من الوسائط الإعلامية الأخرى.
ونلاحظ الدور الكبير الذي يلعبه ما يسمى بالـ"جمهور" في هذا العالم الافتراضي الجديد. فهو المنتج للمضامين كما أنه يساهم في تقييمها وتصنيفها ونشرها والتعليق عليها بل وابتكار واجهات عرض وأدوات جديدة للاستخدام. هناك الإعلام الجديد التابع للمؤسسات الإخبارية والتي طوعت مواقع كاليوتيوب والفيس بوك لخدمة أهدافها. كما يملك الأفراد أيضا المساهمة والإنتاج في العملية الإعلامية فيما يسمى "إعلام المواطن".
إذا عدنا في الزمن قليلا قبل ظهور الإنترنت وتكنولوجيا الاتصال الحديثة سنجد بأن نمط الإعلام التقليدي أو الاتصال العمودي كان سائدا. هذه الصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية هي عبارة عن مؤسسات هرمية وجدت للإخبار والترفيه والتثقيف مقابل الكسب المادي من خلال الإعلانات. كانت المضامين في هذه الوسائل التقليدية موحدة ومصدرها واحد ولم يكن للجمهور رأيا يذكر أو ما يعرف برجع الصدى سوى استطلاعات الرأي العام في المجتمعات الديمقراطية. تجسدت علاقة الجمهور بهذه الوسائط الإعلامية التقليدية بالقراءة والاستماع والمشاهدة فقط ومن ثم التأويل الصامت.
لكن مع ظهور الإعلام الجديد تغيرت علاقة الأفراد تماما مع الإعلام. فكما ذكرنا سابقا وجود الفرد المستخدم هو شرط أساسي في وجود العديد من أشكال هذا الإعلام الجديد. العلاقة بين الفرد والإعلام الجديد هي علاقة تفاعلية قائمة على إنتاج الفرد للمضامين الإعلام والتعليق عليه ونشرها بشتى الوسائل. فلم يعد المثقفين والساسة والصحفيين يحتكرون سلطة الكلام والتعبير عن الذات بل أصبح ذلك متاحا للأفراد المغمورين في جميع أنحاء العالم. بل وأصبح لهم متابعين أوفياء وأهمية كبرى بفضل التكنولوجيا الحديثة.
وقد ساهم الإعلام الجديد في اختفاء العديد من المفاهيم المرتبطة بالإعلام التقليدي كالـprime time وأوقات البرامج. لم يعد لهذه المفاهيم معنى مع توافر جميع ملفات الفيديو في أرشيف مواقع اليوتيوب. كما أن الإعلام الجديد غير مفهوم الإعلانات إذ أصبح من السهل استهداف فئات معينة بفضل قدرة الأفراد على تجميع الإحصائيات والمعلومات حول المستخدمين للإعلام الجديد.وفيالحديثعنالإعلامالجديديجبالتمييز بين الإعلام الجديد المرتبط بالمؤسسات الإعلامية وإعلام المواطن الذي يندرج تحت ما يسمى بالإعلام الجديد.
أضاف ما يعرف بإعلام المواطن أفاقا جديدة في العمل الإعلامي بالنسبة للأفراد وحتى المؤسسات الإعلامية. السمة الأبرز لإعلام المواطن هو القائم على إنتاج مضامينه ألا وهو الفرد أو المواطن العادي الذي لا يملك بالضرورة مهارات مهنية إعلامية جيدة لكنه يملك المعلومات التي يجمعها من محيطه وجهاز كمبيوتر والإنترنت. هذا الفرد الذي كان في السابق لا يملك حق الكلام أو التعبير عن ذاته أو محيطه أو رأيه فيما يعرض أصبح له الآن الحق في نشر ما يشاء وقت ما يشاء. وقد نجح العديد من المدونين في الوصول إلى العالمية والشهرة ومن أمثلة ذلك مدوني اليوتيوب الذين يبيعون سلع تحمل أسمائهم ويعرضون الإعلانات التجارية على صفحاتهم.
وتتميز المضامين في الإعلام الجديد بمحليتها وهذه ميزة قد لا تستطيع وسائل الإعلام التقليدية الحصول عليها بسبب الطبيعة الرسمية لعملها وضرورة حصول مراسليها على تصاريح رسمية للوصول إلى العديد من المناطق. وعادة ما تنشر هذه المضامين بشكل فوري على المدونات (دون مراجعة أو تدقيق كما في وسائل الإعلام التقليدية وبلغة أقرب إلى الفرد العادي) بالاستعانة مع مواقع أخرى كاليوتيوب وفليكر وتويتر. وفي العديد من الأمثلة تستعين وسائل الإعلام التقليدية بمعلومات وصور وملفات الفيديو التي يتمكن الإعلامي المواطن من الحصول عليها.ومع إدراك المؤسسات الإعلامية لأهمية الإعلام الجديد سواء من الناحية الإعلامية أو الترويجية أو حتى التجارية, أطلقت العديد من هذه المؤسسات مواقع إخبارية تتميز بمضمونها المهني الملتزم بالمعايير المتعارف عليها.
نلاحظ في ضوء ما سبق الفرق الشاسع بين الإعلام التقليدي والإعلام الجديد والتغيير الذي طرأ على علاقة الأفراد بهذه الوسائل وتحولهم من "جمهور" إلى مستخدين" للوسائل الإعلامية. فقد انتقل الفرد من مجرد التلقي المتمثل بالقراءة والمشاهدة والاستماع ومن ثم التأويل الصامت إلى استخدام المضامين الإعلامية عبر الإعلام الجديد من خلال التعليق والتقييم والتأليف والطباعة والإرسال إلى صديق والنسخ واللصق والتصنيف. كما انتقل الفرد من تلقي المضامين المحدودة إلى استخدام المضامين المتنوعة التي يذهب هو إليها ولا تأتي إليه. وهكذا يصبح للمستخدم خيار وإرادة تدفعه إلى التفاعل مع ما يشاء من المضامين الإعلامية. وقد يقوم بذلك بشكل متزامن فقد يقول بالاستماع إلى ملف صوتي والدردشة مع أحد الأصدقاء وحفظ ملف فيديو على جهازة في نفس اللحظة.
مستخدم الإعلام الجديد يمارس عدة أنشطة في نفس الوقت واستخدامه لهذه المضامين هي عملية فردية خاصة لا يريحه الإفصاح عنها. كما أن تعرضه للمضامين عبارة عن عمليات معقدة للغاية بسبب إندماجها وتشعبها وتميزها بالـ"تناص". وعلى مستوى العلاقات الاجتماعية هناك فارق كبير بين المفهومين "المتلقي والمستخدم". فالاستخدام عملية فردية يقول البعض بأنها كرست الانعزالية والفردانية في حين أننا نرى تبلور العديد من الجماعات الافتراضية وتوطد العلاقات في العالم الافتراضي على مواقع كالفيس بوك ويتم في هذه الفضاءات النقاش حول العديد من القضايا وتبادل الآراء حولها بحرية. في حين بأن ذلك لم يكن سائدا في نموذج الإعلام التقليدي فالنقاش إن وجد كان ضمن "الجمهور" وليس مع المرسل, في حين أن التأويل في أغلب الأحيان كانت عملية فردية ذهنية صامتة.
نرى العديد من المناذج الناجحة في الغرب لاستثمار الشبكات الإعلامية لتكتنولوجيا ووسائل الإعلام الجديد. لكن يبقى المشهد أقل تفاؤلا في العالم العربي وخصوصا في الإعلام الحكومي. إذ نلاحظ بانها أعادة استنساخ المضامين التقليدي في قوالب جديدة دون الأخذ بعين الاعتبار "التفاعلية" كأهم الشروط المطلوبة في الإعلام الجديد. لذا نرى العديد من الصحف التي لا تتيح خاصية التعليق ولا توفر حتى بريدا الكترونيا لإرسال المقترحات والآراء. ويبقى السؤال هل هذا نابع من جهل أم تجاهل هذه المؤسسات الرسمية . ولكن من جهة أخرى نلاحظ تجارب ناجحة للغاية على الصعيد العربي في هذا المجال.
في ضوء ما سبق يمكن القول بأننا ما زلنا نعيش في مرحلة وسطية للوصول للشكل النهائي للإعلام بين التقليدي والجديد. لكن من المؤكد بأن الإعلام الجديد لا يملك جمهورا بل ملايين المستخدمين الذين يتفاعلون معه في كل لحظة من أجل إثرائه والتمتع بحق الكلام والتعبير عن الذات والمعرفة والترفيه والتثقيف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق