أعداد: ميسه جمال بندقجي.

جامعة ام القرى قسم: الاعلام (علاقات عامة)

بأشراف الدكتورة: عزة الكحكي.








الخميس، 5 مايو 2011

الإعلام الجديد واليوتيوب




لما ظهر موقع يوتيوب في عام 2005، وبدأ يحقق تصاعده المذهل بشكل غير مسبوق في عالم الإنترنت لتشتريه ”جوجل” في تشرين الأول (أكتوبر) 2006 بمبلغ 1.65 مليار دولار، كنت أعتقد أن هذا التصاعد المذهل مصدره هو ظهور نوع جديد من المحتوى هو المحتوى الشخصي User-Generated Content؛ لأن الجمهور عبر عقود من الإعلام المرئي تعوَّد فقط أن يرى الفيديو المحترف، وجاء ”يوتيوب” ليقدم له نوعا جديدا من المحتوى لم يكن متاحا من قبل، وهو المحتوى الذي يروي اللحظات المميزة في حياة إنسان عادي آخر عبر الفيديو. هذا الاعتقاد كان له ما يدعمه حيث ظهر إقبال ”خرافي” من الجمهور على تحميل لقطات الفيديو بكل أنواعها، الأمر الذي حوّل ”يويتوب” إلى متنفس للجمهور، بما في ذلك المتنفس السياسي للقطات التي لا تظهر على شبكات التلفزيون.

لكنني الآن في 2011 لدي وجهة نظر أخرى، وهي أن نجاح ”يوتيوب” له سبب آخر أكثر أهمية، وهو أن الجمهور صار من سرعة الإيقاع وتشتيت الانتباه وتعدد المهام بحيث صار للفيديو القصير قيمته الأساسية مقابل المادة التلفزيونية الطويلة التي تستغرق نصف ساعة أو أكثر على شاشة التلفزيون. البرهان على أن قصر الفيديو هو أهم من مسألة المحتوى الشخصي، أن الإحصاءات تثبت بلا شك أن الفيديو القصير الذي تتوافر فيه الإنتاج الحرفي (بروفيشنال) له شعبية أكبر من الفيديو الشخصي بشكل عام.

”يوتيوب” اكتشفت هذا الأمر، خاصة مع نجاح مواقع مثل Hulu.com وNetflix.com في أمريكا، التي تقدم محتوى تلفزيونيا محترفا يبحث عنه الجمهور ويعطيه أفضل لحظات اهتمامه، ولذلك أقدمت ”يوتيوب” على خطة استراتيجية جديدة لتقوية المحتوى المحترف على موقعها، تمثلت في دعم الصفحات التي تملك هذا المحتوى بنسب من الإعلانات التي تحققها الصفحة، إضافة إلى تقديم برامج تدريبية ودعم مالي لمنتجي الفيديو القصير المحترف. آخر تطور في تلك الاستراتيجية شراء موقع” يوتيوب” شركة متخصصة في هذا المجال اسمها Next New Networks، التي حققت فيديوهاتها القصيرة على ”يوتيوب” نجاحا مذهلا وصل إلى ملياري زيارة شهريا (شاهد الصفحة: www.youtube.com/nextnew)، وهذا يعني أن ”يوتيوب” قد تشتري المزيد من هذه المبادرات الناجحة على موقعها، وتتحول إلى منتج عالمي مهم في مجال المحتوى القصير ذي الجودة العالية.

في العالم العربي ظهرت عدة محاولات مميزة، ومن تلك المحاولات التي اجتذبت كثيرا من الاهتمام قناة ”على الطاير” youtube.com/3al6ayer، وقناة ”لا يكثر” youtube.com/layektharshow ونشرة أخبار التاسعة إلا ربع youtube.com/s7ch وغيرها في مختلف الدول العربية، وهي مبادرات في النهاية ستمثل نموا مهما للوجود العربي في مجال الفيديو القصير المحترف، وهي أيضا تحقق دخلا ماديا لأن ”يوتيوب” يمنح نسبة من الإعلانات لهذه الصفحات بعد تحقيقها حدا معينا من النجاح (عدد المشتركين والزوار).

الأهم من ذلك كله أن هناك مبادرات عديدة جدا في مجال الإعلام الرقمي على الموبايل والألواح الإلكترونية (مثل i-Pad) والتلفزيون المرتبط بالإنترنت Connected TV وغيرها، وكلها تحتاج إلى المحتوى القصير المحترف وقودا لنجاحها واستمرارها وقدرتها على المنافسة مع شبكات التلفزيون التقليدية، كما أن قدرة هذه البرامج القصيرة على الجذب ستكون عاملا مهما في انتصارها على البرامج التلفزيونية الطويلة، التي يفترض أن تموت تدريجيا لمصلحة المحتوى القصير

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن حول هذا النوع الجديد من الإنتاج الإعلامي هو التمويل ومصادر الدخل التي تسمح بإيجاد ميزانيات كافية لمثل هذا الإنتاج، وهو سؤال مهم أيضا؛ لأنه يحدد بالفعل إمكانية نمو هذا النوع من الإنتاج في المستقبل. ربما لا يخفى على الكثيرين أن ما يسمّى النموذج التجاري Business Model يكاد يكون العامل الأكثر أهمية في دراسة جدوى أي فكرة جديدة، خاصة الأفكار ذات العلاقة بالإعلام الرقمي، والنموذج التجاري – كما هو معروف – هو مصادر الدخل المحتملة التي يتم تأسيسها ضمن الفكرة وتكون متناسبة مع قواعد السوق بشكل عام.

موقع ”يوتيوب” أدرك منذ البداية أهمية هذه القضية، وأنه ما لم يعالج هذه المشكلة، فإن إنتاج الفيديو القصير لن ينمو، ولن يحظى الموقع بمحتوى جذاب ومميز؛ لذلك أسس الموقع لنموذج يحصل فيه صاحب الفيديو على نسبة جيدة من دخل الإعلانات التي تنشر على صفحة صاحب الفيديو (بما فيها إعلانات جوجل)، أو من دخل الإعلانات المرئية التي يتم بثها قبل مشاهدة الفيديو. هذا المصدر من الدخل ليس بالسهل ويحقق عادة للصفحات الناجحة ما لا يقل عن ألفي دولار شهريا إلى ما قد يصل في بعض الدول كأمريكا إلى 100 ألف دولار.

لكن مشكلة هذا الأسلوب من التمويل أن دخله يأتي بعد إنتاج الفيديو، وفيه نسبة عالية من المخاطرة ويتطلب عقدا مع ”يوتيوب”؛ ولذلك ظهر نوع جديد من أساليب التمويل الإعلاني، الذي لاقى هوى كبيرا في السنتين الأخيرتين لدى المعلنين في أنحاء العالم، وصار أيضا حديثا متداولا في أوساط الوكالات الإعلانية في العالم العربي.

لقد وجد المعلنون بما لا يدع مجالا للتردد أن الفيديو الناجح على ”يوتيوب”، الذي يحقق مشاهدات تزيد على مليون مشاهدة، ثم يتداوله الجمهور على مختلف أنحاء شبكة الإنترنت والمواقع الاجتماعية مثل ”فيسبوك”، يمثل وسيلة إعلانية عظيمة التأثير على مستويات عدة. لهذا كله، ظهر ما يسمى الفيديو الإعلاني Branded Video أو الفيديو سريع التداول Viral Video، وهي نماذج من الفيديوهات القصيرة الجذابة، التي تبدو وكأنها إنتاج شخصي، لكنها في الحقيقة إنتاج ممول من المعلن، الذي يظهر بشكل واضح ومباشر (في الفيديو الإعلاني) أو بشكل غير مباشر (في الفيديو سريع التداول).

المشكلة الأساسية في هذه الفيديوهات أن الفكرة يجب أن تكون قوية في إبداعها وسحرها؛ وذلك لأن منفذ الإعلان لن يستطيع خداع المعلن، ومدير التسويق لن يستطيع خداع مدير الشركة، فالأرقام على ”يوتيوب” لا يمكن التحكم فيها وهي تفضح بسرعة الناجح من الفاشل. أيضا من جهة أخرى، لا يمكنك ضخ ميزانيات الإعلان لبثها على كل قناة كما يحصل في حالة الإعلان التلفزيوني الكلاسيكي، وهذا التحدي قلل من سرعة نمو هذه الفيديوهات (على الرغم من تأثيرها الكبير)، وأظهر للضوء نوعا جديدا من وكالات الإعلان الرقمي التي تركز على الأفكار الجديدة في هذا المجال، وتستطيع إقناع المعلنين بأخذ المغامرة.

في الأسبوع الماضي كانت الصحف الأمريكية تتحدث عن إعلان على يوتيوب اسمه how to hack video screens on times square، الذي يبدو فيه شخص يحكي كيفية اختراق شاشات الفيديو في الطرق العامة ووضع ما تريد عليها، ويقول إنه استطاع أن يحصل للفكرة بسبب أخذه حبة NZT التي تجعله رجلا لا حدود له Limitless. رغم أن الفيديو يبدو مقنعا فهو في الحقيقة مزيف، والمعلومات غير صحيحة، لكن ما هو صحيح أن هناك فيلما سينمائيا سيظهر قريبا حول هذه الحبة تحت اسم Limitless، وهذا الفيديو مجرد إعلان للفيلم، وحقق الفيديو أكثر من 1.5 مليون زيارة خلال أربعة أيام فقط، وتم تداوله بشكل واسع على الإنترنت.

هناك مئات النماذج الناجحة لمثل هذه الفيديوهات، لكن العامل المشترك للنجاح هو الإبداع فقط.


هل ينقص ”الشباب الجديد” الإبداع في فهم ”الإعلام الجديد”؟ أبدا؛ ولذا أتوقع لهذا النوع من الإعلان النمو والنجاح، وأتوقع للشباب الجديد أن ينافسوا وكالات الإعلانات الكلاسيكية، وأتوقع أن يكون هذا أيضا عاملا من عوامل تحديد مستقبل الإعلام والتلفزيون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق